“فدک؛ صرخة تتجاوز المیراث”

“فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله و الزعيم محمد و الموعد القيامة و عند الساعة يخسر المبطلون.”

قسم من خطبة فدکیة لسیدة الزهراء (علیها السلام)

تزامنت آخر أیام حياة السیدة الزهراء (علیها السلام) بأحداث کغصب الخلافة و تحریف وصیة النبي (صلّی الله عليه و آله و سلّم) و في هذه الأیام التي سعت فيها السلطة لتنحیة علي (عليه السلام) و إبعاده عن الساحة، تحمل قضية فدک أهمیة مضاعفة.

فدک(1) أرض أهداها النبي (صلّی الله عليه و آله و سلّم) إلی فاطمة (علیها السلام)؛ لکن بعد وفات النبي (صلّی الله عليه و آله و سلّم) قامت السلطة بمصادرتها. و تبعاً لذلک بادرت السیدة الزهراء (علیها السلام) بالدفاع عن حقها و إدّعت ملکیّتها لفدک، و لکن السلطة لم تقبل ذلک. من الممکن أن الهدف الرئیسي الذی کانت السیدة فاطمة (علیها السلام) تتبعه خلال تحرکات و انجازاتها المتواصلة بقي وراء ستار البحوث و الدراسات. فإن الرجوع إلی کلام السیدة الزهراء (علیها السلام) في آخر أیام حیاتها يکشف عن سرّ إعتراضها.

إذا اردنا أن نصل إلی جوانب مهمة من قضية فدک يجب أن نلقي نظرة على الخطبة التي خطبتها الزهراء في المسجد أمام الخليفة و بين يدي الجمع المحتشد من المهاجرين والأنصار فإنها دارت أكثر ما دارت حول امتداح علي (عليه السلام) والثناء على مواقفه الخالدة في الإسلام و تسجيل حق أهل البيت الذين وصفتهم بأنّهم الوسيلة إلى الله في خلقه و خاصّته و محل قدسه و حجته في غيبه و ورثة أنبيائه في الخلافة والحكم. و من جانب آخر تختصّ الخطبة بإلفات المسلمين إلى حظّهم العاثر و إختيارهم المرتجل و إنقلابهم على أعقابهم، و ورودهم غير شربهم، و إسنادهم الأمر إلى غير أهله، والفتنة التي سقطوا فيها، والدواعي التي دعتهم إلى ترك الكتاب و مخالفته فيما يحكم به في موضوع الخلافة والإمامة.

فالمسألة إذن ليست مسألة ميراث و نحلة إلا بالمقدار الذي يتصل بموضوع السياسة العليا، و ليست مطالبة بعقار أو دار، بل هي في نظر الزهراء مسألة إسلام و كفر، ومسألة ايمان ونفاق.

إن الهدف الأعلى لفاطمة (علیها السلام) الذي كانوا يعرفونه جيداً ليس هو إثبات النحلة أو الميراث، بل القضاء على محو معالم و آثار الزيغ و الإنحراف بعد رسول الله (صلّی الله عليه و آله و سلّم) و هو لا يحصل بإقامة البيّنة في موضوع فدك، بل بأن تقدم البينة لدى الناس جيمعاً على أنهم ضلّوا سواء السبيل. و هذا ما كانت تريد أن تقدمه الحوراء (علیها السلام) في خطتها المناضلة. کان دور فاطمة (علیها السلام) مطالبة أموال المغصوبة من قبل السلطة لکی تجعلها مقدمة لمنازعة في مسألة سياسية أهمّ، فهي الخلافة.

بهذا السبب و بعد عدة أعوام عندما طلب هارون الرشید، الخلیفة العباسي، من الإمام موسی بن جعفر (علیه السلام) أن یحدّد حدود فدک لیعید فدک ـ ولو ظاهریاً ـ لأولاد فاطمة، قام الإمام بتعیین حدود البلاد الإسلامیة کحدود فدک.(2) و في الحقیقة إن جواب الإمام الکاظم (علیه السلام) أزاح الستار عن الوجه الواقعي لقیام السیدة الزهراء (علیها السلام) و هو عبارة عن إعتراض علی غصب الخلافة في ذلک الحین. و بهذا تتمایز الحدود السیاسیة لفدک عن حدودها الطبیعیة و الجغرافیة.

وعلى هذا كانت فدك معنى رمزياً يرمز الى المعنى العظيم ولا يعني تلك الأرض الحجازية المسلوبة. وهذه الرمزية التي اكتسبتها فدك هي التي إرتفعت بالمنازعة من مخاصمة عادية منكمشة في أفقها محدودة في دائرتها الى ثورة واسعة النطاق رحيبة الأفق. أجل قضية فدک هي الثورة على أسس الحكم والصرخة التي أرادت فاطمة (علیها السلام) أن تقتلع بها الحجر الأساسي الذي بنى عليه التاريخ بعد رحيل النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم).

(مأخوذ من “فدک في التأريخ”، بقلم آيت الله الشهيد سيد محمد باقر الصدر، مع بعض التصرف)

يعزّی موقع الرشد جميع المسلمين و خاصتاً أنت صديقنا الحميم،

3 من جمادي الثاني، ذکری إستشهاد

مدافعة عن الإسلام و تراث النبي،

السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام).

الهوامش:

1- فدک قرية في الحجاز ، بينها و بين المدينة يومان، و قيل ثلاثة و هي أرض يهودية في مطلع تأريخها المأثور. وكان يسكنها طائفة من اليهود، ولم يزالوا على ذلك حتى السنة السابعة حيث قذف الله بالرعب في قلوب أهليها فصالحوا رسول الله (صلّى الله عليه و آله و سلّم) على النصف من فدك و روي أنه صالحهم عليها كلّها. وابتدأ بذلك تاريخها الاسلامي، و بناءاٌ علی القرآن كانت ملكا لرسول الله (صلّى الله عليه و آله و سلّم) لأنها مما لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، ثم قدمها لابنته الزهراء (عليها السلام)، و بقيت عندها حتى توفي أبوها (صلّى الله عليه و آله و سلّم) فانتزعها الخليفة الاُول ـ على حد تعبير صاحب الصواعق المحرقة.

2- بحار الأنوار، مجلد 48، صفحة 144 مروي عن مناقب حديث 20