كما نعلم ان الهدف الأساسي الذي قد رسم للإنسان في الكتب الإلهية هو العبادة و العبودية لله؛ حيث نقرأ في القرآن الكريم:
“وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون.”(1)
” أما في الواقع يوجد في مسير العبودية موانع كالميول النفسانية و الوساوس الشيطانية. إن الإنسان واقعٌ و محيط في عالمٍ مليء بالشهوات و الميول النفسانية القوية و الضّالة، لدرجة انه قد يواجه معضلة بكل قدم و يواجه تهديد جديد مع كل فكرة أو نظرة، فقد جاء في القرآن الكريم:
“زين للناس حب الشهوات من النساء والْبنين والْقناطير الْمقنطرة من الذهب والْفضة والْخيْل الْمسومة والأنْعام والْحرْث ذلك متاع الْحياة الدنْيا والله عنده حسْن الْمآب.”(2)
ومن جهة أخرى، عاهد الشيطان العدو اللدود للإنسان بكل صراحة و تصميمٍ قاطع لربه أن يغوي الإنسان:
“قال فبما أغْويْتني لأقْعدن لهمْ صراطك الْمسْتقيم. ثم لآتينهم من بيْن أيْديهمْ ومنْ خلْفهمْ وعنْ أيْمانهمْ وعن شمائلهمْ ولا تجد أكْثرهمْ شاكرين.”(3)
فإذاً، نحن البشر معرضون للسوء من خلال اللذات النفسية و مكر إبليس، و إن مواجهة كلاهما اللاتي هن من موانع العبودية يوجب التأمل و الحذر.(4) كان شيعة الأئمة الأطهار (عليهم السلام) من هذا الطريق يطلبون الهداية على مر التاريخ. على سبيل المثال يمكننا الإشارة الى حكاية رجل كتب إلى أبي جعفرٍ (عليه السلام) یشكو إلیه لمماً یخطر على باله فأجابه فی بعض كلامه:
“إنّ اللّه عزّ و جلّ إن شاء ثبّتك فلا یجعل لإبلیس علیك طریقاً قد شكا قومٌ إلى النّبیّ ص لمماً یعرض لهم لأن تهوی بهم الرّیح أو یقطّعوا أحبّ إلیهم من أن یتكلّموا به فقال رسول اللّه ص أ تجدون ذلك قالوا نعم فقال و الّذی نفسی بیده إنّ ذلك لصریح الإیمان فإذا وجدتموه فقولوا آمنّا باللّه و رسوله و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه.” (4) (5)
إن مثل هذه الوساوس التي هي غير اختيارية و خارج عن إرادتنا، و التي لا تتوافق مع إيماننا و عقيدتنا فهي بغيضة عندنا ، وفي حال بروز مثل هذه الوساوس يجب التوكل على الله و الاستقامة في أداء الواجبات كما يؤديها من قبل و ألّا يقصر في أي عمل، و ألا يسمح للوساوس التي يحاربها بشدة أن تكون سبباً في التقصير لأداء واجباته بالكيفية التي كان يقوم بها من قبل. مع العناية بوصايا الإمام الجواد (عليه السلام)، إن إحدى الطرق التي علّمنا الأئمة الأطهار (عليهم السلام) لمواجهة الصعوبات و انزلاقات الحياة، هي التوكل على القدرة الإلهية اللامتناهية. إذا واجه إنسان حيوانٌ مفترس، فسوف يجري هارباً أو يستعين بأداة حادة ليواجه الحيوان و يأمن على نفسه، و لن يقف أمام الحيوان ساكناً حتى يهمشه. إن حقيقة الاستعانة بالله هي التوكل على الله بكل وجودك في مواجهة حملة الشيطان.
و بوجهٍ آخر، فإن من أجل التغلب على موانع العبودية في الشدة و الرخاء و في المنعطفات و الابتلاءات، فإن ذكر الله و رسوله بقلبٍ خاشع و التعهد بالعبودية و الاستعانة به هو طريق الخلاص؛ فلا حول و لا قوة إلا بالله.
وفي الختام، لزم الذكر ان طريق الخلاص -مثل العديد من طرق الخلاص الأخری- يحتاج للاستقامة و المداومة، و بمجرد احتمالية الانكسار في هذا المسير يجب ألا يزلزل ذلك من عزم و إرادة الإنسان.
بمناسبة حلول آخر من شهر ذي القعدة،
يعزي موقع الرشد تمام المسلمين و بالأخص أصدقاء الموقع الأعزاء،
ذكرى شهادة مظهر الجود و السخاوة و مرآة تمام التقوى و النزاهة،
الإمام محمد بن علي الجواد (علیه السلام).
الهوامش:
1- سورة الذاریات، الآیة 56
2- سورة آل عمران، الآیة 14
3- سورة الأعراف، الآیات 16 و 17
4- إن وجود الموانع في مسير العبودية لها حكمة و هي امتحان العباد.
5- أصول الکافي، المجلد 4، باب الوسوسة و حدیث النفس رقم الحدیث 4.