فی منظر الاسلام، تکون قیمه الإنسان بعمله و و ما یشکّل شخصیّه الانسان الّا الانسان نفسه؛ فلذا إن الإنسان یُحاسَب بأعماله؛ إن کانت حسنه فیرتفع مقامه و یصل الى السعاده. و على هذا الأساس فإن أی انسان أکان من عائله کریمه (و حتى و إن کان من ذریه نبی و إمام) أو انه ینتسب الى مجموعه خاصه، أو ینتمی الى طبقه اجتماعیه مرموقه و …، فلا یمکنه أن یجلب لنفسه السعاده دون العمل و المثابره. فإذاً، لیست هذه من الفکر الإسلامی أن یتّکأ الشخص علی هذه العوامل فقط، و ینتظر عاقبه حسنه لنفسه و یرى نفسه أفضل من سائر الناس. فلذا، یعلمنا الإسلام أن سُـلّم عروج الإنسان هو عمله و مثابرته.
إن أئمتنا یعرّفون الناس بهذا الأصل الهامّ و یعلّمون أهلهم أن لا یتکلوا علی شرافه النسب و لا یترکوا الورع و البرّ و لا یصنعوا من أنفسهم أساطیر وهمیه.
کان الإمام علی بن موسى الرضا (علیه السلام) یتصرف على هذا المنهج و کان یقیّم الناس على التقوى و العمل الصالح. لم یکن یفرّق بین الأسود و الأبیض، و بین الفقیر و الغنیّ و الطوائف المختلفه من أیّ أصل و نسبٍ کانوا، بل کان یرى الأفضلیّه فی التقوى، و الإیمان بالله و العمل الصالح.
قال رجل للإمام الرضا (علیه السلام) یوماً: و الله ما على وجه الأرض أشرف منک أبا.
قال الإمام (علیه السلام) له: “التقوى شرفهم و طاعه الله أحظتهم”(1)
فقال له آخر: أنت و الله خیر الناس.
فقال (علیه السلام) له: لا تحلف یا هذا، خیر منی من کان أتقى لله تعالى و أطوع له و الله ما نسخت هذه الآیه « وَ جَعَلْناکُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاکُمْ»”(2)(3)
فکان الإمام (علیه السلام) یتعامل حتى مع أقاربه بهذه الطریقه.
کان أحد أخوه الإمام الرضا (علیه السلام) یسمّی زیدا ، و هو لم یقبل الامام الرضا(علیه السلام) بالإمامه و دعى الناس الى نفسه حبّاً للرئاسه.
و فی یوم من الأیام أتوا بزید بن موسى عند الإمام (علیه السلام). فقال له الإمام الرضا (علیه السلام): “یا زید أغرّک قول سفله أهل الکوفه إن فاطمه (علیهاالسّلام) أحصنت فرجها فحرم الله ذریتها على النار ذلک للحسن و الحسین (علیهماالسّلام) خاصه إن کنت ترى أنک تعصی الله عزّ و جلّ و تدخل الجنّه و موسى بن جعفر (علیه السّلام) أطاع الله و دخل الجنّه فأنت إذا أکرم على الله عزّ و جلّ من موسى بن جعفر (علیه السّلام) و الله ما ینال أحد ما عند الله عزّ و جلّ إلّا بطاعته و زعمت أنّک تناله بمعصیته فبئس ما زعمت”
فقال له زید: أنا أخوک و ابن أبیک .
فقال له أبو الحسن (علیه السلام): ” أنت أخی ما أطعت الله عزّ و جلّ إن نوحاً (علیه السّلام) قال رَبِّ إِنَّ ابْنِی مِنْ أَهْلِی وَ إِنَّ وَعْدَکَ الْحَقُّ وَ أَنْتَ أَحْکَمُ الْحاکِمِینَ فقال الله عزّ و جلّ یا نُوحُ إِنَّهُ لَیْسَ مِنْ أَهْلِکَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَیْرُ صالِحٍ فأخرجه الله عزّ و جلّ من أن یکون من أهله بمعصیته “(6)
و کذلک یری الامام الرضا (علیه السلام) أفضلیّه نفسه و سائر ائمه الشیعه بسبب طاعتهم الأکثر لله و یعتبر العمل الخالص و تقوی الله سبب فضیلتهم و یذکّر بأنّ الفضیله و الجزاء الإلهیّ یرتبط و یتناسب بالعمل الصالح لا بشیئ أخر.
و لکن، أنا و أنت، کیف ننظر الى الآخرین و کیف نرى و فیم نبحث عن شرافه الناس و کرامه الانسان؟ فی المال و الثروه، فی الجمال و البهاء، فی القدره و الشهره و ….، أو فی شیئ اعلی من جمیع ما ذکرناه.
و الأهمّ، ما هی الأشیاء التی نحسبها عند انفسنا فضیله و ما هی الأعمال التی نختارها لأنفسنا؟ فی حقیقه الأمر ما هی معاییر الفضیله و الشرف فی حیاتنا؟
(مأخوذ من کتاب “سیره الإمام الرضا”، التألیف: “أمیر مهدی الحکیمی” (مع بعض الإضافات))
بمناسبه قدوم 11 ذی القعده،
یبارک و یهنئ موقع الرشد مسلمی العالم و بخصوص أصدقائنا الأعزاء
بالذکرى السنوی لولاده معین الفقراء و ناصر الضعفاء
الإمام علیّ بن موسى الرّضا (علیه السلام) .
………………………………………
الهوامش:
عیون أخبار الرضا (علیه السلام) ، المجلد 2، الصفحه 236
” و جعلنا کم شعوبا و قبائل لتعارفوا ان اکرمکم عند الله اتقاکم” (سوره الحجرات، الآیه 13 )
عیون أخبار الرضا (علیه السلام) ، المجلد 2، الصفحه 236
” رب ان ابنی من اهلی و ان وعدک الحق و انت احکم الحاکمین” (سوره هود، الآیه 45)
” یا نوح انه لیس من اهلک انه عمل غیر صالح… “، (سوره هود ، الآیه 46)
عیون أخبار الرضا (علیه السلام) ، المجلد 2، الصفحه 234