الإمام محمد التقي (عليه السلام) هو تاسع الأئمة المعصومين و ابن الامام الرضا (عليه السلام)، و قد بلغ الإمامة في سن السابعة. كون الامام الجواد (عليه السلام) إماماً في سن ٍ مبكر و انه وصل الى هذا المنصب الإلهي ( علي أن الإمام الجواد (عليه السلام) أول إمام قد بلغ إلي هذه المنصب الإلهي في الصغر ) ، فقد يظهر في الأذهان هذا السؤال و هو هل يمكن لإنسان في مثل هذا العمر القليل أن يصل الى مرتبة عالية من الكمال لكي يصبح وصي رسول رب العالمين (صلى الله عليه و آله و سلم) و أن يتحمل كل مسؤولياته على عاتقه؟ و هل تواجد مثل هذا الأمر في الأمم السابقة؟ و أ ليس هذا الأمر دفعياً للجامعة و بعيد عن نظرها و هي لم يترقبها؟
هذه النقاط التالية تستطيع أن تدلنا على الجواب على الأسألة المذكورة:
1. بطريقة عادية و على أساس قواعد طبيعية، فإن الوصول الى بلوغ العقل و الجسم و ظهور القوى الفكرية و الروحية يحدث مع مرور الوقت. أما الله سبحانه تعالى الذي هو من سخّر القواعد الطبيعية و أجراها في العالم، فهو أقدر من أن يكون محدودة في حدود هذه القواعد الطبيعية. و في بيان آخر، فليس هناك أي مانع له سبحانه و تعالى أن يطوي الزمن اللازم لبلوغ الفكر لأحد من عباده الخواص لمصالح خاصة و خلصه في سنين أقل و يمكن وقوع ذلك عند عموم الناس. و علاوة على هذا المطلب، في البحث حول الأنبياء و الأئمة المعصومين عليهم السلام فيجب التوجه إلي نكتة لطيفة و هي أن هؤلاء مصطفون من عند الله تعالى كما أشار اليها القرآن الكريم[1]. و هذه النقطة مؤيدة الى أنهم من بداية الخلق و خارج عن محاسبات مادية و الأسباب و العلل الظاهرية أحرزوا أقل خصوصيات لازمة لكسب هذه المناصب.
2. يشير القرآن الكريم الى سابقة تاريخية لهذا الموضوع في رسالة النبي يحيى و قال: «و آتيناه الحکم صبيا[2]». و كمثال آخر ذكر النبي عيسى عليه السلام الذي تكلم في يوم ولادته و قد دافع عن والدته في مقابل بهتانهم و افكهم العظيم، و هذا في حال ان في الحالة العادية يأخذ 12 شهراً للطفل لكي يبدأ بالكلام. و إضافة إلى هذا، فالكلام الذي خرج من لسان هذا الرضيع[3]، فهي حكمة و شبيه بكلام الحكماء.
مع التوجه الى الموارد المذكورة ، فإن الإمام الرضا عليه السلام كان عالماً بهذا الأمر، و لكي يُفهم عموم المسلمين و بخصوص الشيعة و محبيه، فقد جاهد لذلك. كمثال، يقول إحدى أصحاب الإمام الرضا عليه السلام: « كنت حاضراً عند الإمام الرضا عليه السلام في خراسان، فسأله أحداً: « كنت واقفا بين يدي أبي الحسن ( عليه السلام ) بخراسان ، فقال له قائل : يا سيدي ! إن كان كون فإلي من ؟ قال ( عليه السلام ) : إلي أبي جعفر ، فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر ( عليه السلام ) . فقال أبو الحسن ( عليه السلام ): إن الله تبارك و تعالي بعث عيسي بن مريم رسولا نبيا صاحب شريعة مبتدأه في اصغر من السن الذي فيه أبو جعفر. [4] »
على رغم ان ما ذكر في خصوص إمكان وصول الانسان في صغر السن إلى مناصب إلهية رفيعة و جهد الإمام الرضا ( عليه السلام ) لتغيير ما تلقاه الجامعة من هذا و لكن بسبب بداعة هذا الأمر لاذهان الناس الذين قد بعدوا من معارف الأئمة السابقة و لم يتعلموا علوما كافية ، فقد ظهرت أسئلة في أذهانهم، و هكذا و كي يتبين الحقيقة و ينكشف التكليف، فقد شكّل الشيعة اجتماعات ليطرحوا على الإمام الجواد عليه السلام أسألة كي يتعرفوا على الإمام و يطمأنوا من وجود علم الإمامة عنده. و الإمام علي مشيه المبينة المطمئنة فقد كان يحضر تلك المجالس و أجاب على الأسألة المطروحة من قِبَل العلماء و الفقهاء جواباً مقنعاً و بديعاً و قد أقنع الناس بذلك و سبب إطمئنانهم القلبية.[5] مع النظر إلى دقة بليغة موجودة في سنن الأئمة في مسائل فكرية و اعتقادية و في تعليم تلامذتهم، فإن كلى الموضوعين الإستبصار الشيعة و إجابة الإمام و ازالته الشبهة ، فقد كان طبيعياً.
لتهية هذا الموضوع فقد استفاد من كتاب ” سيما القادة ” ، تأليف مهدي بیشوایي.)
نعزي أصحاب الحق بالذكرى السنوية لشهادة الإمام محمد التقي (عليه السلام)، الرحيم الذي بلغ الإمامة في الصغر و غرب شمس وجوده في الشباب على أيدي الظلمة.
الحاشية :
-1ان الله اصطفی آدم و نوحا و آل ابراهیم و آل عمران علی العالمین (آل عمران:33)
-2 و آتينا الحکم صبيا (مريم:12)
-3 قال اني عبدالله آتاني الکتاب و جعلني مبارکا اينما کنت و اوصاني بالصلوه و الزکاه مادمت حيا و بربوالدتي و لم يجعلني جبارا شقيا (مريم :30-32)
-4 الشيخ المفيد، الارشاد، مکتبة بصيرتي، ص319-الکليني، الاصول من الکافي، طهران، مکتبة الصدوق، ج 1، ص 322و384
-5 المجلسي،بحار الانوار، ط2، طهران، المکتبة الاسلامیة،1395ه.ق،المجلد50، ص 98-100-محمد بنجریرطبري، ابنرستم، الدلائل الامامة،ط3،قم،منشوراتالرضی،1363ه.ق،ص204-206