ينظر الإسلام دائماً الى كرامة الإنسان و ماله و بدنه باحترام. يمكن لكرامة الإنسان الذي هو حاصل بعد عمرٍ من السعي و البذل أن يُخدش على أثر سلوكيات غير لائقة كالاتهام و الحسد و الاستهزاء و الإفراط بالمزاح و الضحك و العتاب. في مثل هذه الظروف. اذا رأينا فرداً يقصد خدش سمعة مؤمن و كان بإمكاننا حمايته فمن الواجب أن نقوم بهذه الوظيفة، و إن قصّرنا في ذلك فسوف نكون مُلامين في وجداننا و لدى الناس و عند الله تعالى. في حقيقة الأمر إن حرمة سمعة المؤمن عظيم جداً في تعاليم ديننا(1) و قد نهانا من التعرض لها بأية خدش و قد تم التأكيد في السعي لحفظ سمعة المؤمن و الدفاع عنه.
و إن من المعاصي التي تسبب في خدش سمعة المؤمن و هتك ستره هي الغيبة، و قد نهانا القرآن الكريم بذلك و أحاديث المعصومين (2). الغيبة هي بيان عيب الشخص في غيبته(3). في الأصل، إن نتيجة الغيبة هي هتك ستر المؤمن في حال لا يمكنه الدفاع عن نفسه. في بعض الأحيان يتم غيبة إنسان في مجلسٍ و لا يمتنع بقية المستمعين للغيبة بل يظهرون التشويق و يؤججون المغتاب ليزداد في غيبته. إن السكوت و اللامبالاة على الغيبة و هتك ستر المؤمن حرام.
إن أهمية هذا الموضوع لغاية حيث يقول الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث: “من اغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره و أعانه نصره اللّه و أعانه في الدّنيا و الآخرة و من اغتيب عنده أخوه المؤمن فلم ينصره و لم يعنه و لم يدفع عنه و هو يقدر على نصرته و عونه إلّا حقّره اللّه فيالدّنيا و الآخرة”(4). و من هذا الحديث يتضح أنه بما ان لحرمة المؤمن قيمة و اعتبار و يحظى باحترام شديد، فإن الله سبحانه و تعالى ينصر و يعين من نصر و أعان أخاه المؤمن، و في المقابل يحقّر الله من قصّر في نصرة أخيه.
يجب علينا أن نعلم بأن البقاء في مجالس الغیبة ممنوع و حرام، فإن هذا الموضوع ذو أهمية بالغة. إن وظيفتنا أن نمنع الغيبة و ندافع عن سمعة أخينا المؤمن، و ان لو لم نستطع فنحن مكلفون بترك المجلس لكي لا نكون من المستمعين للغيبة و ألا نكون من المؤيدين للعمل الخاطئ للمغتاب بالحضور و السكوت. في الحقيقة إن قيمة المجالس تكون بهذه المحتويات. إذا كانت المجالس مفيدة و فيها ذكر خير المؤمنين فتكون تلك المجالس ذو قيمة، و إذا اختلطت المجالس بالمعاصي و الغيبة فستكون مورد غضب الله تعالى و استيائه.
لذا فإن الاجتناب عن الغيبة و هتك ستر الآخرين من أهم التعاليم الأخلاقية في ديننا الحنيف. و في هذا الخصوص يقول الإمام الباقر (عليه السلام): ” من کف نفسه عن أعراض الناس کف الله عنه عذاب یوم القیامة”(5). و في الختام، نستنتج كم هو عظيم ان يكون لدينا حساسية و رد فعل مناسب في مقابل هتك ستر الآخرين، بذلك نكون قد منعنا من إشاعة المعصية و قد كسبنا رضا الله تعالى في الدنيا و الآخرة.
(مأخوذ من کتاب “الحکم الباقرية؛ ترجمة و توضیح الأربعين حدیث للإمام الباقر (علیه السلام)”، لأثر حجة الاسلام جواد المحدثي (مع بعض الإضافات))
بمناسبة حلول السابع من ذي الحجة،
يعزي موقع الرشد مسلمي العالم و بالأخص أصدقاء الموقع الأعزاء،
ذكرى شهادة محيي و مجدد الدين الإسلامي و الهادي المبين ،
خامس أئمة الشيعة،
الإمام محمد بن علي الباقر (علیھما السلام).
الهوامش:
1- عن أبي عبدالله علیه السلام:” المؤمن اعظم حرمة من الکعبة” (الخصال، الصفحة 27).
2- “…ولا یغتب بعضکم بعضا ایحب احدکم ان یاکل لحم اخیه میتا…” (سورة الحجرات الآیة 12)
“إیاك و الغیبة فإنها تمقتك الی الله و الناس و تحبط اجرك” (غرر الحکم، الصفحة 165)
3- “و الغيبة، و هي أن يذكر المؤمن بعيب في غيبته … مما يكون عيبا مستورا عن الناس” (منهاج الصالحین السیستاني، المجلد 1، الصفحة 18)
4- ثواب الأعمال، الصفحة 250
5- عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (ع) قال سمعته یقول:” من کف نفسه عن اعراض الناس کف الله عنه عذاب یوم القیامة” (ثواب الأعمال، الصفحة 133).