كل عمل يجلب رضي الله سبحانه و تعالي و يقرّب العبد إليه، يعتبر في القاموس الديني «عمل عبادي» و يسمّي «العبادة». و لكن هل بإمكاننا القول بأن كل العبادات – من وجهة النظر هذه – هي سواء و في مستوي واحد؟
من البديهي أنّ للعبادات أقسام و صنوف. قسم من الأعمال مع أنه يمكن أن يعتبر كالعبادة طاعة الله عز و جل، لكنه تتزامن معه اللذة و يميل الإنسان إليها وفقاً لطبيعته. كالأكل و النوم و الزواج.
قسم آخر من الأعمال كالتعلم و الإحسان بالمساكين و الإنفاق مع أنّه لاتميل إليه النفس و الغرائز الحيوانية، و لكنه يتلائم مع العقل و مقبول عند العقلاء و أولي النهي. بناءً علي هذا، إذا استقرت هذه الأعمال علي سبيل العبادة و تعمل لمرضات الله تعالي، فإن فيها تترافق إرادة الرب و إرادة العقل.
هذان القسمان يعتبران عبادة. و لكن لايستطيع الإنسان في الأغلب أن يتيقن بأنّ غرضه من إنجاز هذه الأعمال كان تقرّبه إلي الله و حسب؛ أو قد تأثّر العبودية من اتباع العقل أو النفس.
و لكن هناك قسم آخر إلي جانب ذلك القسمين. بعض الأحيان أنّ الله سبحانه و تعالي يطلب من الإنسان بأن يقوم بأعمال لايوجد فيها أي لذة نفسانية أو فائدة عقلية. بل لا تميل إليها النفس و لا يرغب فيها العقل.
تشهد الدراسات التاريخية أنّ الله عز و جل قد يأمر بعض الأقوام بمثل هذه الأعمال. علي سبيل المثال حينما وصل جيش بني إسرائيل بقيادة طالوت و في طريق الجهاد في سبيل لله إلي نهر بأبدان متعبة و شفاة ذابلة، نهاهم الله أن يشربوا منه.[note]1- موضوع لآية 249 من سورة البقرة [/note]
أو مثلاً جماعة من بني إسرائيل التي كانت تعيش علي شاطئ البحر و تشتغل بصيد الأسماك و أمرها الله بأن لاتصطاد يوم السبت في كل اسبوع. و بأمره سبحانه كانت الأسماك تجتمع في مستوي الماء و تسبح في أمواجه في هذا اليوم. ولكن في بقية الأسبوع صارت نادرة! [note] 2- موضوع لآية 163 من سورة الأعراف[/note]
من البديهي و كما نعلم، لايريد الله بعباده العسر و لايحبّ أن يمنعهم من النّعم. فما غرضه سبحانه من مثل هذه الأوامر؟
بعد التدبر في آيات القرآن الكريم، نفهم بأنّ الله سبحانه و تعالي يأمر عباده حتي يبتلي مستوي تعبّدهم [note]3- في هذه الأيات يشير الي ابتلاء العباد بعبارتين: “كذلك نبلوهم” و “إنّ الله مبتليكم” [/note]و أن يميزهم في العمل كيف يتعهدوا بما يدّعونه في طاعة الله عز و جل.
يميل الجميع إلي الزواج و طلب العلم و يساعد كثير من الناس المساكين. و لكن طالما توجد الشهوات أو حب الجاه، لن يعلم من يعمل للغايات المادية و من يسلم لله حقاً و لم ينو سواه.
إذا كان الإبتلاء ملئ بالصعوبة و الحيرة بإمكاننا رفع نسبة إخلاصنا و تسليمنا و نتقرّب إلي الله عبر الجهاد مع هوي النفس و الحسابات المادية للعقل الأسير.
قبل قرون، إمتحن الله عز و جل عبديه إبراهيم و إسماعيل بإبتلاء صعب في هذه الساحة [note] 4- للإطلاع علي ما صار بإبراهيم و ابنه (عليهما السلام) من الإبتلاء الإلهي التي سبقنا ذكره في المقالات الماضية أضغط هنا[/note]في واد لا يتأتي لمطية النفس أن تصول فيه و تجول و لا للعقل بأن يبدي ما لديه من آراء. و في هذا الوادي حب الله وحده هو الذي يأخذ بيد الإنسان لينجيه من الإنحراف و السقوط في وادي الخسران و يعبر به بسلامة من منحدر الشك والشبهات.
نحن المسلمون نحيي كل عام تلك الذكري العظيمة التي كانت محل تجل لحقيقة التسليم و غاية العبودية و نبارك و نعظم اليوم الذي جعله الله لنا عيدا [note]5- و قد ورد في دعاء صلاة العيد: “أسئلك بحقّ هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً …” [/note] لأنه في الحقيقة إن اليوم الذي ينكس فيه علم الشيطان و يرفرف فيه علم الرحمن فهو عيد للجميع!
مأخوذ عن كتاب “الحج؛ برنامج الكمال” تأليف “آية الله السيد محمد الضياء آبادي” (مع قليل من الإضافات)
يهنئك موقع الرشد جميع المسلمين و الموحدين لاسيما انت الصديق الكريم
بمناسبة عيد الأضحي المبارك
يوم رفیف رایة العبودية علي حاجز الانسانية.
الهوامش: