في غالب الأحيان قد يطرح في أذهاننا أسئلة عند مواجهة أية مسألة؛ و لكن المهمّ أنّه إذا تابعنا و توجّهنا بالأصول و الضوابط الخاصّة حول تلك الأسئلة بصورة متواصلة، فباليقين سوف نصل إلی الجواب المناسب.

إنّ من أهمّ المسائل علی مدى التأريخ في المجتمع الإسلاميّ، هي مسألة الإمامة. بناءاً علی ما تلقّی و تعلّم الشيعة من القرآن الكريم و أهل البيت (عليهم السلام)، لقد سعى الشيعة في مختلف الأزمان في معرفة أئمّتهم بصورة صحيحة عن طريق تسائل و طرح أسئلة.

و من ناحية إنّ الشیعة ينظرون الی قضيّة الإمامة عن الجانب الالهيّ بحيث لا یضرّ بعقيدتهم صغر عمر الإمام. أمّا من ناحية أخرى فإنّ الأمر المهمّ هو ظهور هذا الجانب الإلهيّ في علم الإمام و معرفته. في الحقيقة كان لدى الأئمة أجوبة جميع أسئلة الشيعة، و إنّ إحدى الطرق الذي كان الشيعة يصرّون على معرفة الإمام هو علم الإمام (عليه السلام). فمن هنا قد رعى الشيعة علی مرّ التأريخ هذا الأصل لمعرفة جمیع الأئمّة مع وجود الدلائل المتعدّدة حول إمامتهم. كان الشيعة يواجهون الأئمّة بأنواع الأسئلة، و عندما لاحظوا أنّ كلّ أسئلتهم كانت تجاب عليها، فكانوا حينها یقبلونهم بالإمامة.

تتوضّح هذه الصورة جيداً خاصّة باالنسبة إلی إمامة التاسع من الأئمة، الإمام الجواد (عليه السلام). بعد رحيل الإمام الرضا (عليه السلام)، ادّت الإضطرابات التي حدثت ما بين الشيعة إلى رجوع و لجوء بعض الشيعة الى عبد الله بن موسى، شقيق الإمام الرضا (عليه السلام). و لكن بما أنّ الشيعة لن يقبل إمامة أحد دون دليل و حجّة، فإنّ جمع من الشيعة طرحوا عليه أسئلة و حيث أنّه لم يقدر الإجابة على الأسئلة فقد صرفوا عنه.

مع كلّ هذه الأحوال، فقد إعتقد معظم الشيعة بامامة الإمام الجواد (عليه السلام). طبعاً کان من بین الشيعة أشخاص الذين طرحوا صغر عمر الإمام لنفس الإمام. و لكن إنّ عقيدة الشيعة على أساس القرآن الكريم هي أنّ مسألة نبوّة يحيى بن زكريا  (عليهما السلام) في الطفولة و رسالة عيسى المسيح (عليه السلام) في زمن رضاعته توضّح بأنّ العلم في حجة الله حتى و لو لم يصل سنّ البلوغ، و لكنّه قابل الوجود بطريقة إلهيّة و بدون تعلیم و تعلّم.

إنّ علم الإمام الجواد (عليه السلام) کان يظهر ظهوراً اکثر في المناظرات و المحاضرات التي كان يحضرها ليناظر المخالفين و علماء الأديان و المذاهب الأخرى. کان يقوم المأمون و المعتصم بتنظيم معظم هذه المجالس و الهدف الرئيس منها هي أن يتغلّب الإمام الجواد (عليه السلام) في الأجوبة على الأسئلة، و بالتالي يضعف موقف الإمام و الشيعة. و لكن في جميع هذه المناظرات کانت النتيجة خلاف ما کان يتوقّعه المخالفون، و في نهاية المجلس کان يتجلّى علم الإمام على الجميع.

بسبب هذه المجالس فأنّ أفضليّة و هيمنة الإمام (علیه السلام) من الجانب العلمیّ، کان لا یظهر بین شیعته فحسب، بل کان يتعدّی و یشیع عند أعدائه بحيث أنّ المأمون الذی كان من ألدّ أعداء الإمام إعترف بأفضليّته.

عندما قررّ المأمون ليزوّج ابنته أمّ فضل بالإمام الجواد (عليه السلام) جبراً، ضاق العباسيون ذرعاً و ظنّوا بانّهم سيفقدون الخلافة. فقالوا حينها:

“إنّه صبيّ لا معرفة له فأمهله ليتأدّب و يتفقّه في الدين. ثمّ اصنع ما ترى!‏”

فقال المأمون:” ويحَكم إنّني أعرَف بهذا الفتى منكم و إنّ أهل هذا البيت علمهم من الله تعالى و مواده و إلهامه و لم تزل آباؤه أغنياء في علم الدين و الأدب من الرعايا الناقصة عن حد الكمال فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر حتى يتبيّن لكم ما وصفت لكم من حاله‏”

و کذلک اتّضح علم الإمام الجواد (عليه السلام) الشاسع، عند الجميع و أصبح مؤشّراً لتمييز الحق من الباطل. عن هذه طريق إستطاع الشيعة معرفة إمامهم من ناحية بالنصوص التي جاءت من الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) و الأئمة (عليهم السلام)، و من ناحية أخرى بظهور علم الإمام الجواد (عليه السلام). لذا فإن مدّعين الکذّابین لم يستطيعوا منع الشيعة من الوصول للحق و الحقيقة.

و لكن هنا نسأل أنفسنا كيف نحن؟ علی أیّ اساس بنینا أصولنا لتمییز الحق من الباطل؟ و هل تعرّفنا بأصول القرآن الکريم و العترة في مسيرنا للبحث عن الحقيقة؟

(مأخوذ من کتاب “الحياة الفكريّة و السياسيّة لأئمّة الشیعة (علیهم السلام)”، تأليف: رسول الجعفریان)

آخر ذي القعدة ، يعزّي موقع الرشد جميع الشيعة

الذكرى السنويّة للإستشهاد عين البركة و العالم بالعلم الإلهيّ،

محمّد بن علی الجواد (علیهما السلام).

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *