“الإمامة”.. منصب إلهي

“هل بالإمكان لأي فرد أن يصل إلى مقام الإمامة في سن مبكر؟”.

طُرحت هذه المسألة – التي تعتبر واحدة من المسائل المتعلقة بالإمامة في المباحث الكلامية(1) ولها مكانة خاصة – بصورة جدية في المحافل العلمية والكلامية حينما بلغ الإمام الجواد (عليه السلام) الإمامة في سن الثامنة في العام 203 من الهجرة الشريفة، خصوصاً وأن الإمام الهادي (عليه السلام) بلغ الإمامة في السن الثامنة والإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بلغها في سن الخامسة.

من بين النصوص حول إمامة الإمام الجواد (عليه السلام)، تم الإشارة بتعيين الإمام الرضا (عليه السلام) لابنه الصغیر، على أن هذا التعيين من قبل الله تعالى، وقد تسنّت للإمام الكثير من الفرص للقيام بهذا العمل، و لكنه أصر على تعريف هذا التعيين، وعندما كان أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) يسألونه عن صغر سن الإمام الجواد (عليه السلام)، كان يشير إلى نبوة النبي عيسى (عليه السلام) في سن الرضاعة، حيث أن النبي عيسى (عليه السلام) كان أصغر سناً من الإمام الجواد (عليه السلام) عندما أعطي النبوة(2).

إن مفهوم كلام الإمام الرضا (عليه السلام) في الآيات القرآنية حول نبوة النبي عيسى (عليه السلام) له إشارة صريحة حيث يقول الله تعالى في سورة مريم: “فأشارت إلیه قالوا کیف نکلم من کان فی المهد صبیا * قال إني عبدالله أتاني الکتاب و جعلني نبیا * وجعلني مبارکًا أينما کنت وأوصاني بالصلوة والزکوة ما دمت حیا.”(3).

 تحكي الوقائع التاريخية – كدليل على أن الإمامة أمر إلهي –  أن الإمام رغم  صغر سنه كان قادراً على الإجابة على المسائل العلمية والفقهية، ولم يكن ثبوت هذا الأمر وقبوله عند الشيعة فحسب، بل شهد مخالفيه على هذا الأمر أيضاً من خلال مواجهاتهم ومناظراتهم مع الإمام.

وللتوضيح، نسوق دلالة على ذلك لإحدى مناظراته، فعندما وقع الاختلاف بين الخليفة العباسي المأمون(4) وحاشيته حول علم الإمام الجواد (عليه السلام)، خطب المأمون فيهم قائلاً :” و يحكم اني اعرف بهذا الفتى منكم و ان هذا من اهل بيت علمهم من اللّه(5) و الهامه، لم يزل آباؤه اغنياء في علم الدين و الأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال. فان شئتم فامتحنوا ابا جعفر بما يتبين لكم به ما وصفت من حاله”.

 لذا، قام أحد حاشية المأمون “يحيى بن أكثم” لمناظرة الإمام وكان حينها قاضي القضاة ومن مشاهير الفقهاء.. سأل يحيى الإمام مسألة في مجلس المناظرة، وفي حضور المأمون، وفي الإجابة على المسألة طرح الإمام 10 فروض متعلقة بسؤال يحيى.

 فتحيّر يحيى بن اكثم و بان في وجهه العجز و الانقطاع و تلجلج حتى عرف جماعة اهل المجلس امر… استمر الإمام في الإجابة على كل الفروض العشر حول مسألة يحيى(6)، قد كان يحيى في حيرة من سؤال الإمام، فطلب من الإمام أن يبين جواب مسألته، وفي ختام المجلس قال المأمون :”ويلٌ لكم! إن أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد خصوا بالفضل والأفضلية، إن صغر السن في اهل هذا البيت لا يمنعهم من…”(7).

نستنتج مما ذكرنا أن مقام إمامة الأئمة الأطهار (عليهم السلام) موهبة من عند الله وهي ليست مكتسبة، ذلك أن صغر سن الإمام ليس منافياً لهذا المقام، وأن الإمام الجواد (عليه السلام) خير مثال واضح في هذا المورد.

 (مأخوذ من كتاب:”الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البیت (عليهم السلام)، التأليف:”رسول جعفريان” (مع بعض التغييرات بتصرف))

يبارك ويهنئ موقع الرشد تمام الشيعة وبالأخص أصدقاء الموقع الأعزاء

بمناسبة حلول العاشر من رجب – الذكرى السنوية لميلاد مجسد الجود والتقوى،

وخزانة دار الرحمة ومنبع الحكمة تاسع أئمة الشيعة

الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام)

  الهوامش:

1-          علم الكلام هو علم يبين الأصول وعقائد الدين، ويستدل بإثباته وإجابة الشبهات واعتراضات المخالفين بالاستفادة بطرق مختلفة.

2-          عن صفوان بن یحیى قال: قلت للرضا (عليه السلام): قد کنا نسألك قبل أن یهب الله لك أبا جعفر (عليه السلام) فکنت تقول: یهب الله لي غلاماً فقد وهبه الله لك فأقر عیوننا فلا أرانا الله یومك فإن کان فإلى من؟ فأشار بیده‏ إلى‏ أبی‏ جعفر (عليه السلام) وهو قائم بین یدیه فقلت: جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنین؟! فقال: وما یضره من ذلك فقد قام عیسى (عليه السلام) بالحجة و هو ابن ثلاث سنین. (أصول الکافي، المجلد 1، الصفحة 321).

3-           سورة مریم، الآیات 29 و 30.

4-          كان المأمون الخليفة العباسي الظالم الذي استشهد الإمام الرضا (عليه السلام) والإمام الجواد (عليه السلام) تحت إمرته المباشرة.

5-          العلم من الله هو علم غير مكتسب يهبه الله لأنبيائه والمعصومين (عليهم السلام) لإثبات النبوة والإمامة.

6-           سأل يحيى بن أكثم الإمام قائلاً: ما تقول في محُرِم قتَل صيداً؟ فانبرى الإمام قائلاً : قتَله في حلّ أو حرم؟ عالما أم جاهلاً؟ قتله عمداً أو خطأً؟ حرّاً كان أم عبداً؟ صغيراً أو كبيراً؟ مبتدئاً بالقتل أم معيداً؟ من ذوات الطير كان الصيدُ أم من غيرها؟ من صغار الصيد أم من كباره؟ مصرّاً على ما فعل أو نادماً؟ في الليل كان قتله للصيد أم نهاراً ؟ محرماً كان للعمرة أو للحج؟” الإحتجاج، المجلد 2، الصفحة 443؛ الإرشاد، المجلد 2، الصفحة 281 7- تحف العقول، الصفحة 451.

7-           الإحتجاج، جلد 2، صفحه 443؛ الإرشاد، جلد2، صفحه 281؛ تحف العقول، صفحه 451

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *